الفصل الثالث | الأحجية الثانية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: وإن خذلك كل من في الدنيا فرفع رأسك للسماء وقل يا رب، فمن في السماء لا يخذل مخلوقًا 

إفصاح آخر: "أفضل ما في الإجازة ليس أن تريح نفسك بل أن ترى الآخرين يعملون " كينيث غراهام

مساحة لذكر الله 

******************************************

الفصل الثالث




أوقفت دراجتي بجوار المدخل، رفعت عيناي لمبنى مطعم سان كارلو هذا النوع من المطاعم يجعلني متوترة نوعًا ما، لأنك هنا لا يمكنك تناول شطيرة همبورغر كوجبة سريعة، هذا المطعم يناسب العشاء الرومنسي أو عشاء رجال الأعمال، أو حفلات تشوبها الشمبانيا والكثير من الأصناف غالية الثمن، أماكن الطبقة الراقية تصيبني بالهلع، لذلك دخولي هنا في الصباح مع ملابس كتلك، لن ألوم أحدهم إن قام بركل مؤخرتي خارجًا، أخذت نفسًا قبل أن أدلُفَ إلى الداخل.

توقف جسدي، بينما عيناي مسحت المكان بشكل سريع، النوافذ الكبيرة أخذت اتساع الجدران تحيط بالمكان وتسمح لأشعة الشمس بالدخول، بينما زجاجها يعكس منظر الطريق في الخارج، كل الطاولات قد صُفت بطريقة منظمة ووزعت عليها قوائم الطعام، الأضواء الصفراء أضفت للمكان رونق هادئ، بينما خلقت الموسيقى الصباحية أجواء منعشة، حتمًا سيتم طردي خارجًا، أنا وهذا المكان نختلف تمامًا، كالبقعة السوداء الصغيرة على فستان الزفاف الأبيض الرائع.

"عفوا آنستي!"

جفلت للشخص من خلفي والذي لم يكن سوى موظف الاستقبال المسئول عن الحجز.

 "بما يمكنني خدمتك؟" أردف بابتسامة آلية لا تنم عن أية مشاعر، تلعثمت لوهلة قبل أن أجمع شتاتي وأسأل بسرعة "كيف يمكنني الوصول إلى الكاتدرائية؟"

تحركت عيناه في نظرة تفحص من أعلى رأسي للأسفل، لا أبدو أبدًا كفتاة متدينة، ولا حتى كزائر سياحي يتجه إلى مكان كالكاتدرائية الأم للأسقف " الجميع يعلم أين تقع!" تمتم بخفوت، رمقني بتلك النظرة التي تنم عن ملله من وجودي فمن سيدخل مكان كهذا فقط لسؤال عن وجهة أخرى؟

 "على كل حال، اتجهي لمخرج الشارع الأيمن، سيستغرق منك الأمر ما يقرب العشر دقائق مشيًا على الأقدام". اومأت بسرعة قبل أن أهرول للخارج.

هذا الرجل بدا على وشك جري من ملابسي للخارج، تنفست براحة في الخارج وانطلقت بدراجتي نحو المخرج الأيمن، توقفت عدة مرات أسأل المارة للتأكد من أني أتجه للمكان الصحيح، أبطأت من سرعتي عندما أصبحت الكاتدرائية في مرمى بصري.

 كل شيء حولها تقريبًا كان باللون الأخضر، الكثير من النباتات، جعلت مظهرها الخارجي يميل للهدوء والسكينة، العديد من أصيص النبات الكبير قد وضع على الرصيف المقابل للمبنى بشكل منتظم يثير الراحة.

 أوقفت دراجتي في الموقف المخصص للدراجات، عيناي تعلقت ببرج المبنى الذي تتوسطه ساعة ذات حجم صغير نسبيًا، بينما أعلى البرج قد وضع علم إنجلترا.

كتدرائية مانشستر


اتجهت للداخل بينما بدأ الحماس يتصاعد داخلي، ما الذي قد أجده هناك؟ ربما حديقة خلفية تمت زراعة زهرة شب الليل هناك، أو منزل زجاجي للنبات!

توقف عقلي عن طرح الأسئلة بمجرد عبوري من خلال باب الكاتدرائية الكبير ووقعت عيناي على المكان من الداخل، بحق الله كيف بقيت طيلة الست سنوات أعيش داخل مانشستر دون زيارة هذا المكان؟!

بلاط الأرضية تكون من اللونين الأبيض والأسود بينما الجدار حول البوابة والجدارين الذين بجوارهما امتلئ كل منهما بكتابات على ما تبدوا وكأنها تاريخ الكاتدرائية وأحيطت ببراويز من الخشب، تقدمت للداخل حيث القاعة الفسيحة صُفت على جانبيها بعض المقاعد الخشبية للحضور.

بدت الكاتدرائية من الداخل واسعة وكبيرة، امتدت الدعامات من الأرض إلى السقف بحيث أصبح شكل السقف مقاربًا لشكل القوس بينما توزعت النوافذ على طول الجداران المتقابلان.



التفت إلى الخلف أنظر لبوابة الدخول، جذب أنظاري النافذة فوق الباب التي كانت عبارة عن زجاج ملون، لطالما أحببت الزجاج الملون داخل الكنائس، خصوصًا ذلك الذي يحتوي على قصص قديمة في رسومه، لكن هذا المرة كان الزجاج فقط ملون بشكل عشوائي وعلى كلا الجانبين وجدت نافذتان تمتلكان ذات التصميم من الزجاج الملون، بينما باقي القاعة قد أُحيطت بالزجاج العادي الشفاف، كنت مذهولة من ذلك التصميم الذي بقي متماسكًا طيلة تلك القرون.

"إنه النمط القوطي العمودي!" التفت بسرعة ناحية الصوت الذي اخترق مجال الهدوء فجأة "آسفة إن كنت قد أفزعتك، لكنك بدوتِ مأخوذة تمامًا بتصميم السقف". إحدى الراهبات في المكان توقفت بجواري مع ابتسامة صغيرة تنظر للسقف أيضًا ولم تبدو أنها تمانع التدخل لإعطاء القليل من المعلومات للزوار

 "ما هو النمط القوطي العمودي؟" سألت لتنظر نحوي بالابتسامة ذاتها وكأنها طُبعت على وجهها وتقول..

" إنه أسلوب معماري قديم، وهو مرحلة من العمارة الأوربية التي تميزت بأشكال هيكلية رائعة في أواخر القرون الوسطى وخصوصًا في القرن الثاني عشر ميلادي، فن العمارة القوطية كان قد ظهر بعد نهاية القرون الوسطى الذي كانت تسمى بعصر الظلمات*".



دائمًا ما املك اقتناعًا خاصًا أنهم قديمًا بما انهم امتلكوا مميزات مكنتهم من ابتكار هندسة كهذه، إذا توفرت المعدات الحديثة ربما كانوا أكثر تطور منا الآن.

 "أتعلمين أن التصميم القوطي يعتبر أول تصميم كنيسي حقيقي، وكان يرمز إلى انتصار الجبهة الوطنية الكنيسة الكاثوليكية على الوثنية في أوروبا". أضافت لأومئ كعلامة على إنصاتي.

رفعت عيناي نحو السقف أنظر لهيكله الشبيه بالقباب "السقف بالكامل يبدو كالأقواس، ألم يكن من الصعب بناء تصميم كهذا في القرون الوسطى؟" تمتمت مذهولة لتقول "أعلم لكني لست مذهولة هؤلاء الأشخاص منذ عقود كانوا عباقرة سواء كان الأمر هو الهندسة أو الطب أو حتى العلوم، البناء العمودي القوطي يعتمد غالبًا على طرق إنشائية معينة كالأقواس البارزة، والعقود المعمارية المضلعة والدعائم الطائرة".

حسنًا لست مطلعة على الهندسة لكني يمكنني معرفة إنها أشياء مهمة ومعقدة، لم أرد إطالة هذه المحادثة والانشغال عن هدفي الحقيقي من وجودي لذلك التفت نحوها وشكرتها لهذه الملاحظات لتومئ بلا بأس وتقول:

"يسعدني رؤية شخص مهتم ببنية الكنيسة أكثر من المظهر الخارجي لها". التفت تقابلني بوجهها تنظر نحوي مع ابتسامتها التي لم تتغير، توقفت لوهلة مع عقدة بين حاجبيها، لم أفهم ما الخطب لكنها قالت فجأة بقهقهة صغيره "ربما يجب عليك قراءة المكتوب على ملابسك قبل اختيارها، أطفال هذه الأيام حقًا!" نظرت بتعجب لملابسي قبل أن أدرك أنني نسيت تماما المكتوب عليها.

يكاد وجهي أن ينفجر من الإحراج، هل عليّ أن أعتذر؟ ضممت حقيبتي لصدري محاولةً إخفاء الكلمة البذيئة داخل مكان ديني "لا بأس لا تشعري بالذعر بهذه الطريقة، إنها ملابسكِ في النهاية". قالت بتفهم، إنها أمي صدقيني ليس أنا.

"حسنًا لا أريد أن أتطفل على جولتك لذا، اقضِ وقتًا ممتعًا". قالت ملوحة قبل أن تلتفت لترحل، هل يجب أن أقوم بسؤالها؟ ربما يمكنها مساعدتي؟

"المــ.. المعذرة". التفت نحوي باستفهام لأقول بسرعة "هل بالمصادفة هناك أي حديقة للزهور أو مكان مخصص لزرع الزهور؟" مرت فترة من الصمت قبل أن تتسع أعين الراهبة وتقول بانفعال "إنها أنت!" عقدت حاجبيّ باستغراب وكررت "أنا!"

 "أنت هي الفتاة الذي كان يقصدها ذلك الرجل ، لقد جاء حبيبك اللطيف منذ فترة وأخبرني أن فتاة جميلة ستأتي وتسأل عن الزهور و.". لحظة، لحظة! ما الذي قالته؟

"حبيبي؟" قاطعتها بسرعة أحاول إدراك ما يحدث "هل يمكنك وصفه؟" أردفت لتزم شفتيها في تفكير " كان طويل القامة قليلًا، يرتدي قبعة سوداء تخفي نصف وجهه لذلك لم أستطع رؤية شعره، لكنه بدا من النوع اللطيف الذي يلقي بعض الكلمات الودودة نحو السيدات".

 ما اللعنة؟ من يكون هذا الشخص؟ "لقد أخبرني أن أوصل لكِ رسالة، ماذا كانت.. اوه نعم ’ ابحثي هنا جيدًا عن نعمة الحياة الجديدة حيث أعلاها ستجدي نصف الإجابة’ لا أعلم إن كانت هذه لعبة بينكما لكن حظًا سعيدًا في إيجاد زهورك". قالت رافعة كتفيها قبل أن تلتفت وتذهب.

لقد بدأ الشك يتسلل لقلبي، شخص ما يدبر لكل هذا، هل هو مقلب سخيف؟ رجل ودود مع النساء! لا يمكن أن يكون هو؟ ديفيد؟ لكنه أغبى من أن يضع ألغاز كتلك، إنه لا يقرأ الكتب حتى! لكنه الشخص الذي أخبرني عن زهرة شب الليل، إنه ليس ديفيد لا يبدو وكأنه هو، ديفيد لن يقوم بمحاولة النظر لراهبة لأنه يعلم أن سيقع في ورطة بسبب لسانه القذر.

كما ما الذي يعنيه هذا؟ أبحث عن نعمة الحياة الجديدة حيث سأجد نصف إجابتي أعلاها! ما الذي يعنيه بنعمة الحياة جديدة؟ لما لا يخبرني أين يجب أن أذهب مباشرة؟ من الأحمق الذي يظن إنه دافنشي العصر الحديث.

الحُمق الأكبر أنني شرعت بالبحث حولي عن أي شيء يشير إلى حياة جديدة، الأشياء التي قد ترمز لحياة جديدة قد تكون نبتة ما؟ أعني نمو النبات بعد الجفاف يشير لحياة جديدة! أيضًا شروق الشمس تعني حياة جديدة! هناك الكثير من الأشياء التي تشير لحياة جديدة؟

عليّ فقط البحث في الصور والتماثيل في المكان، والنظر جيدًا للمعلومات المدونة على الألواح، لكن الأهم من كل هذا من هو هذا الشخص الغريب؟ من الواضح أنه من قام بوضع كل هذا، لكن أن يقوم شخصٌ بكتابة نص باللغة المسمارية، أنا أحقًا أريد معرفة من يكون؟

نصف ساعة مرت في البحث بين الألواح المعلقة والتماثيل الصامتة ولا شيء هنا، بحثت في كل مكان في هذه الساحة.

التفت إلى جزء آخر من الساحة حيث تم تثبيت حاجز خشبي كبير يبدو كالجدار بينما في منتصفه كان الباب الخاص به مفتوح، ألا بأس بالبحث هناك؟

أخذت قدماي بسرعة إلى هناك أعبر من خلال الباب إلى الجزء الآخر، حيث لم يختلف كثيرًا عن الساحة الكبيرة خلفي، لكنها كانت أصغر وبدت كممر نوعًا ما، على الجانب الأيمن كانت طاولة خشبية خلفها بعض المقاعد، تبدوا كمكان للاستفسارات! بينما طاولة أخرى تقبع في نهاية المكان مع كرسي كبير خلفها وصليب خشبي أستقر فوق الطاولة، خلفها علقت لوحة صغيرة لسيدة جميلة وقد تصبغت الخلفية باللون الأزرق.

 انتقلت بنظري للجانب الأيسر حيث تمثال منحوت بدقه، تمثال لرجل يحيط بيديه امرأة مستلقية ويديه الأخرى تحيط بطفل حديث الولادة!



"ابحثي عن نعمة الحياة الجديدة حيث أعلاها ستجدي نصف الإجابة". تمتمت بالجملة التي ذكرتها الراهبة، بالطبع طفل حديث الولادة، إنه نعمة لأبويه وحياة جديدة خلقت على الأرض، انتقلت عيناي لأعلى التمثال بينما أعود بضع خطوات للخلف حتى أحصل على رؤية أوضح، أحاول إيجاد ما سيساعدني.

انجذبت عيناي على الفور إلى النافذة الضخمة أعلى الجدار، أربعة نوافذ متجاورة كانت تعكس ضوء الشمس من الخارج، لكن ما جذب انتباهي لهذه النوافذ هي الرسوم التي على كل نافذه لم يكن زجاج ملون بشكل عشوائي لكنها كانت رسوم ذات معنى! لم تكن جدًا واضحة لكن يمكنني أن أفهم ما تعنيه وذلك ما جعلني داخل صدمة.

النافذة الأولى احتوت على صورة لوردة بنفسجية متفتحة بينما خلفها كانت الشمس باهته متجهة إلى الغرب

She would be in her fullest beauty in the beginning of the sunset

تكون في كامل جمالها عند بداية الغروب

إنها زهرة شب الليل التي تتفتح مع غروب الشمس، أما النافذة المجاورة احتوت على نفس الزهرة لكن تبدو منغلقة على نفسها والشمس أعلى الوردة ترسل أشعتها الصفراء نحوها

And with the amazing light of the sunrise she shrink timidly

ومع ضوء شروق الشمس المذهل تتقلص بخجل

النافذة الثالثة احتوت على ما يشابه البرج الطويل بينما خط أسود عريض أتجه من قاعدة ذلك البرج نحو وردة بنفسجية، والتي على ما تبدو إنها وردة شب الليل

When the turret's angle tends to the blessed place

عندما تميل زاوية البرج للمكان المبارك

اما النافذة الرابعة كانت تحتوي على ... أثنى عشرة دائرة، عشر دوائر صفراء تلتفت حول دائرة كبيرة زرقاء وتبدو وكأنها تشع بقوة، كل الدوائر متصلة بالدائرة الأساسية بما يشبه الخيوط الفضية كما أنها متصلة أيضًا ببعضها البعض بذات الخيوط، ولكن دائرة واحدة كانت بعيدة، دائرة سوداء تقع بعيدًا عن تلك المجموعة المشعة!

ما علاقة هذا بالبيت الأخير

Who takes you to your first steps to the jewel of the world.

سيأخذك إلى خطواتك الأولى نحو جوهرة العالم.

لا أرى أي جوهرة ولا أي عالم هنا! تركت عيناي النافذة الرابعة وعادت للثالثة التي كانت واضحة جدًا مبنى كبير يعتليه برج ذلك البرج يسقط منه خط أسود متجهة لزهرة بنفسجية بينما أعلى البرج دائرة صفراء ترمز للشمس كانت في الزاوية للرسم، حسنًا من الواضح جدًا أن المبنى هنا هو الكاتدرائية فهو مشابهٌ تمام للهيكل الخارجي للمبنى.

حسنًا أول نافذتان تثبت أنني كنت محقة غروب وشروق الشمس وزهرة شب الليل، حسنًا نصف محقة نصف الفضل يعود إلى المتملق، النافذة الثالثة تمثل برج الكاتدرائية لكن، لم أفهم ما هو هذا الخط الأسود الساقط من قاعدة العمود يبدو كبرج آخر، لكنه مصمت بلا معالم هذا ما يعنيه ميلان زاوية البرج لكن لا وجود لبرج سوى برج الكاتدرائية.

أخرجت دفتر الملاحظات محاولةً تدوين كل المعلومات التي حصلت عليها ورسم الأربعة رسوم، أغلقت دفتري قبل أن أتجه إلى خارج الكاتدرائية، إن كان هناك وجود لبرج آخر فسأجده.

عدت للخلف بضع خطوات لأحصل على رؤية أفضل للبرج العالي، لا أرى أية أبراج سوداء في الجوار، ركضت حول المبنى من الخلف حيث كان المكان شبه فارغ، حديقة خلفية والكثير من الزهور الموزعة حول المكان رفعت رأسي للنظر إلى البرج لكن ضوء الشمس حجب الرؤية مزعج عيناي.

تحركت اتجاه ظل المبنى لتجنب أشعة الشمس وعاودت النظر إلى الأعلى لـ... لحظة واحدة!

هل من الممكن! عدت للخلف بسرعة عدة خطوات أنظر إلى الأرض، الخط الأسود ليس ببرج لكنه ظل البرج، هذه هي الطريقة الوحيدة لميلان زاوية البرج دون أن يتحطم إنه الظل! الشيء الوحيد المتعلق بحركة الشمس وشروقها وغروبها كوردة شب الليل تمامًا. 

من العبقري الذي كتب هذا؟ فتحت دفتر الملاحظات أنظر للرسم الأخير، الشكل مطابق تمامًا لهيكل المبنى الخلفي البرج والظل والزهرة، لكن كيف يمكنني معرفة المكان الصحيح للظل أعني الظل يتحرك بتحرك الشمس، إنه مقترن مع الشمس كالزهرة.

الشمس!

لذلك وجدت الشمس هنا في زاوية الرسم، الزاوية الشمالية الغربية أي في بداية غروب الشمس، بداية تفتح زهرة شب الليل الموجودة في مكان ما هنا، حسب معلوماتي، إذا كانت الشمس عمودية على المبنى فإن الظل سيكون عموديًا وغير مائل، هذا تقريبًا في منتصف فترة الظهيرة وكلما تحركت الشمس نحو الغرب تحرك الظل نحو الشرق والعكس صحيح، إذًا... إذا كانت الشمس في الجهة الشمالية الغربية الظل سيكون في الجهة الجنوبية الشرقية.

لكن في أي ساعة بالضبط سيكون ميل البرج في موقع الزهرة، لا بد أن يكون المفتاح في الرسم، لننظر مجددًا الشمس في الجهة الشمال الغربي، برج الكاتدرائية عمودي والظل في الجهة الجنوب الشرقي، أحتاج لشيء يحدد لي وقتًا، دقائق ساعات عقارب أي شيء يمكنه أن.. لحظة عقارب، عقارب الساعة، البرج والظل يمثلان عقارب الساعة إن وضعنا أعداد الساعة على الأطراف فالبرج سيشير للرقم اثني عشر والظل يشير للرقم أربعة، أي الساعة الرابعة تماما.

أغلقت دفتري قبل أن أنظر إلى ساعة يدي، الثالثة والثلاثة والخمسون دقيقة، تبقت سبع دقائق فقط على الساعة الرابعة، ويبدو أن الوقت يَمضي بسرعة هنا دون أن أشعر بمروره.

هذا جنوني! إن فكرنا ببطء، من قد يضع شيء بهذا التعقيد في كتاب مغلق ويبدو أكثر غرابة؟ من قد يصنع كتاب يبدو وكأنه خرج من إحدى أحداث فيلم هاري بوتر؟ لماذا سيكتب ورقة بلغة مسمارية؟ ولماذا سيأتي للكاتدرائية ليضع أحجية حولها؟ لما قد يضع كل هذا في مكتبة الجامعة منذ البداية؟ لربما وصل الكتاب للمكتبة بالخطأ، لكن ذلك الشخص كيف علم أنني سأكون هنا؟ اللعنة أنا مشوشة، هذا غريب.

أعدت نظري نحو الساعة إنها الرابعة تقريبا، نظرت لبرج الكاتدرائية ومنه إلى الظل نحو الأرض الذي غطى نصف الحديقة الخلفية تتبعت بخطواتي طول الظل على الأرض حتى توقفت أمام أصيص للزهور، جميع زهور كانت مختلفة كل واحدة بلونٍ مختلف عن الأخرى.

 في منتصف الأصيص وردة بنفسجية بدأت أوراقها الناعمة تتفتح بشكل ساحر.

زهرة شب الليل.

 كانت نهاية الظل يقع عليها تمامًا، هذا ما كان يعنيه البيت الثالث عندما تميل زاوية البرج نحو البقع المباركة.

لحظة! ما هذا؟ بدا كشيء مدفون أسفل التربة الرطبة لا يظهر سوى جزء بسيط منه، حاولت سحبة ببطء دون أن أحدث ضررًا للأزهار من حوله، خاصةً زهرة شب الليل لأنني أشعر وكأنني أرى شيء نادرًا هنا وإفساده سيجعلني محبطة لأيام، أخرجت الشيء الذي على ما يبدو كظرف مصنوع من الجلد! من يصنع ظروفا من الجلد هذه الأيام؟ 

توقفت للحظة، رعشة باردة سرت في جميع أنحاء جسدي، تلك الراهبة قالت إن رجلًا جاء إلى هنا وأخبرها أن هناك فتاة ستأتي وتسأل عن زهرة، كيف عرف؟ إن افترضنا أنه الشخص ذاته الذي فعل كل هذا، كيف عرف متى وفي أي يوم سأكون في الكاتدرائية؟ كيف علم أنني سأسأل عن زهرة ما؟ لا يمكن أن يكون كل هذا من قبيل المصادفة أو حتى تخمين، لربما جئت هنا للسؤال عن البرج أو ...أو حتى لمعرفة أي شيء له علاقة بالغروب أو الشروق كيف علم أنني اكتشفت حل البيتين الاولين، إلا إذا.. التفت حولي في فزع إذا كان يتبعني، لا شيء سوى هذا.

أعــ.. أعني ذلك اليوم في المقهى كان هناك شخص ما يحدق نحوي في الشارع المقابل للمقهى، يا إلهي مطارد! لا بد أن يكون مطارد، منحرف ربما، أنا أترك نافذة غرفتي مفتوحة عند تغيير ملابسي لربما هذا هو السبب. أصبح منحرف عندما رآنـــ ... اللعنة جلنار ركزي لماذا على منحرف أن يضع كل هذه الأشياء الغريبة، كان من السهل فقط أن يتسلل لنافذتك المفتوحة طيلة الوقت.

لربما... ” ســــاحــر”. صرخت بدون قصد بينما أرمي الظرف من بين يدي بعيدًا، شخصٌ يتعامل مع الشياطين ويبحث عن ضحية جديدة، أنا هي تلك الضحية المسكينة التي سيمارس سحره عليها و.... جلنار إنه القرن الواحد والعشرون! ساحر ماذا بحق الجحيم؟

التقطت الظرف قبل أن أنظر حولي مجددًا هذا لا يعجبني.

كان يمكنني ترك الظرف هناك والهروب صحيح؟ لكن لماذا وضعته داخل دفتري الذي هو الآن داخل حقيبتي بينما أنا أقود دراجتي للمنزل؟  أي شخص عاقل كان ليبلغ الشرطة عن وجود شخصٍ يطارده، كنت لأفعل لو كنت ملكة الدراما لكن على الأقل كان أي شخص سيترك الظرف هناك صحيح، لكنني أخذته معي، إلى منزلي، دون أن أتفقد ما بداخله حتى.

عن الجنون أحدثكم. كنت لأشك في المتملق لكنه مستبعد تمامًا، إنه أغبى من أن يصنع أحجية كتلك، إنه لا يمكنه حل معادلة اثنان ضرب اثنان، من قد يكون إذًا ذلك الشخص؟

أوقفت دراجتي داخل حديقة المنزل قبل أن أتلفت حولي، لربما مازال يتبعني، ركضت بخوف إلى المنزل قبل أن أغلق الباب بقوة، أبعدت حذائي وانطلقت إلى غرفتي، لكن كان يجب على أمي العزيزة إيقافي لبدء تحقيق جنائي...

 " أين كنتِ؟"

دحرجت عيناي وأجبت بسخرية بحتة..

"في إحدى الحانات أقوم بعرض مثير مقابل مبلغ من المال".

رفعت حاجبًا محذرًا نحوي لأزفر "أين سأكون عوضًا عن الجامعة امي؟" قلت لتومئ ولكن ملامح وجهها تنذر بالمزيد "تملكين محاضرة واحدة اليوم من الثامنة صباحا إلى العاشرة والنصف، إنها الخامسة مساء قضيتي سبع ساعات ونصف في المكتبة؟" قالت دفعة واحدة قبل أن تردف " أين كنتِ يا آنسة؟" تنهدت هذا لن ينتهي "أخبرتك للتو إحدى حانات التعري أق-".

" جلنــــار" قاطعتني بزمجرة محذرة " أمي بحقك أين تريدين مني أن أكون؟ قضيت بعض الوقت في المكتبة ثم المقهى مع أحد الأصدقاء هل يجب أن أكتب جدولي اليومي لكي كي تتـ ".

" أصدقاء؟" قاطعتني مجددًا، تبًا زلة لسان "هل هو وسيم؟ شاب صالح؟ إن كان لعوبا ويحاول العبث مع ابنتي فسأقوم بقطع –".

" أمي امي.. تبًا ألا يمكن للأصدقاء أن يكونوا فتيات؟" قاطعتها قبل أن تكمل أفكارها الشيطانية "كما واللعنة ما الذي تقولينه أفكارك عنيفة بحق بالنسبة لأم".

دحرجت عيناها قبل أن تقول " أفكاري طبيعية كأم تريد حماية ابنتها". ابتسمت قبل أن أقبل وجنتها " أقدر لكي هذا كثيرًا، لكني حقًا متعبة وأحتاج لقسط من الراحة، لن أتناول الطعام اليوم لا شهية لي وسأكون في غرفتي طيلة اليوم، ومن الأفضل أن تخبري لوش ألا يقوم بإزعاجي". قلت دفعة واحدة حتى لا تقاطعني بالمزيد من الأسئلة قبل أن أصعد الدرج إلى غرفتي.

جلست فوق السرير بعد أن بدلت ملابسي، أخرجت دفتر الملاحظات قبل أن التقطت الظرف، لم أدقق به جيدا عندما كنت في الكاتدرائية، لكنني أملك الوقت بطوله هنا، هذا الظرف يتكون من الجلد المطرز بإتقان ذو لون بني فاتح، على الحواف شكلت خيوط ذات درجة لون أغمق بعض النقوش المتقنة، بدت مألوفة نوعا ما!

قفزت نحو مكتبي لأخرج الكتاب الضخم من الدرج وأعاود الجلوس فوق سريري، إنها النقوش ذاتها على الكتاب، الشخص الذي صنع الظرف لابد أنه هو صانع الكتاب، حسنًا لنرى ما يوجد داخل هذا الظرف.

 "أرجوك لا أريد أحجية أخرى". صليت بخفوت قبل أن أفتح الظرف و...

"جلنــــار"

أجفلت بفزع ووضعت غطائي فوق الأغراض المثيرة للشبهة بينما نظرت بنظرة حاولت جعلها طبيعية لمقتحم الغرفة وقلت بصياح "ماذا؟" ارتفع حاجبا لوش ونظر لي باستغراب وقال "لم أراك على طاولة العشاء لذلك أردت الاطمئنان عليك".

اوه! تبًا هذا يجعلني أشعر بالذنب "أنا فقط لست جائعة". قلت بابتسامة اعتذار لتتسع ابتسامته في المقابل ويصيح بسعادة "إذًا يمكنني أخذ حصتك من العشاء". سقطت تعابير وجهي وأغلقت عيناي بصبر "أخرج". قلت بهدوء "لمـ -". قاطعته صارخة بينما ألقي الوسادة نحوه "أخرج".

خرج بسرعة مغلقًا الباب خلفه لأتنهد بيأس من هذه العائلة.

أزحت الغطاء عن أغراضي وأمسكت الظرف أنظر له بتمعن، لا أملك شعور جيد حول هذا، لكنني لن أتركه غير مكتمل في الواقع فالأمر ممتع جدًا.

ورقة صغيرة أخرجتها من الظرف وتنبأت أنني لن أجد شيء صريحًا في الداخل، لغز آخر بالطبع.

لم أستطع تسميته بالنص في الواقع، الأمر أشبه بحروف عشوائية وكأنك ضربت بأصابعك على لوحة المفاتيح بشكل عشوائي، حسنًا أيًا يكن من صنع هذا يا رجل، أنت حقًا تختبر ذكائي.

Rfshmjxyjw Rzxjzr

Xjhynts CQA

Kfpj Xtzsix 

لا شيء مفهوم على الإطلاق، الجهة الخلفية للورقة كانت فارغة من أي شيء مفيد، فقط رسم باهت من الصعب رؤية تفاصيله.

هذا كل ما لدي؟ ألا يوجد شيء آخر، القليل من المساعدة؟ امسكت بالظرف مجددًا وقلبته رأسًا على عقب ليسقط مجسم خشبي صغير، امسكت به أنظر له بتمعن، كان حرف V خشبي! رائع.. أشعر بالحماقة مجددًا.

التقطت دفتر ملاحظاتي ودونت المكتوب في الورقة قبل أن أطويها وأضعها بجوار صاحبتها ذات اللغة المسمارية.

الساعات التالية تلخصت في مئات المحاولات الفاشلة في تبديل أحرف النص ببعضها البعض في محاولة لخلق أي كلمات مفهومة، لكن لا شيء.. حصلت على مئات المفردات لكنها بلا معنى، لم أستطع حتى ربط حرف V بالأمر كله.

زفرت بإرهاق بينما أقوم بتدليك رقبتي فالجلوس لساعات للعمل على شيء ما سيسبب آلام لا متناهية في الرقبة.

إنها الواحدة ليلًا، من الغريب حقًا قضاء هذا الوقت بلا أي مراجعة لأوراق المحاضرات أو دراستها، لقد قضيت ما يقارب الخمس ساعات في شيء بلا معنى أو هدف أعرفه.

أنا أزداد غرابة مع الأيام.

ارتجف جسدي بسبب التيار البارد في الغرفة مما دفعني للنهوض واغلاق النافذة المفتوحة، تجمدت في الثانية التي نظرت فيها للخارج، الشارع المقابل كان يقف هناك، الشخص ذاته الذي رأيته يراقبني عند المقهى ، بعيدًا عن الإضاءة مما يجعل من الصعب رؤية ملامح وجهه.

حديث الراهبة هذا الصباح عاد لذهني، شخص ما يتتبعني في كل مكان!

صفعت النافذة بسرعة وأغلقت الستائر وإضاءة الغرفة إلا من مصباح سريري الجانبي، دثرت نفسي تحت الأغطية وحشرت السماعات داخل أذني لتشتغل قائمة الأغاني الخاصة بي، عليّ التوقف عن التفكير أن هناك غريب أسفل نافذتي.

....

اليوم التالي لم تكن بدايته بهذه الروعة، فلن يكون الاستيقاظ على وجه أخيك الغبي بينما يركل جسدك من فوق السرير بداية يوم مبشرة.

بدأت اليوم بشجار مع لوش انتهى بركله خارج غرفتي بالكامل وشتمه والصراخ عليه.

على أمي التوقف عن دفعه لإيقاظي فهذا سيقتلني يومًا ما، انتهيت من تحضير نفسي واتجهت لتناول فطوري لأقابل أمي التي ترتشف قهوتها بينما كتاب ما بين يديها تقرأ منه.

"صباح الخير امي".

"سأتجه اليوم إلى لندن، طائرتي بعد ساعة ونصف من الآن".

بصقت العصير الذي كان أول شيء أحاول تناوله هذا الصباح وسعلت بقوة بينما أضرب صدري في محاولة للحصول على مجرى للتنفس.

أخذت أنفاسي بصعوبة قبل أن أنظر نحوها بصدمة، مازالت ترتشف قهوتها بكل هدوء ولم تكلف نفسها بالنظر نحوي "ما الذي؟ فقط مساء الأمس أخبرتني أنك مغادرة بعد يومين! هل تمزحين معي؟" رفعت إحدى حاجبيها ورفعت نظرتها نحوي لابتلع وأعيد صياغة الجملة بطريقة أكثر تهذيبًا "أعني.. لما تم تقديم الأمر، أمي العزيزة؟".

تنهدت وأغلقت الكتاب بين يديها قبل أن تعطيني كامل انتباهها وتقول "الأمور ازدادت سوء، اولئك الحمقى يفسدون كل شيء مع كل ساعة تمر، عليّ التوجه إلى فرع لندن قبل أن أُطرد أنا وجميع العاملين في الشركة، آخر إعلان تجاري عملوا عليه كان كارثه كادت تتسبب في إفلاسنا، تم تعيني كقائدة فريق هناك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لذلك تحملي لبعض الوقت". كتفت ذراعيها وتابعت بنبرة أكثر حدة "كما أنكم بالغين كفاية لتحمل المسؤولية".

رفعت حاجبًا وقلت "لوش في السادسة والعشرين ولا يملك وظيفة، لوريندا في الخامسة عشر وتتصرف كامرأة في الثلاثين وأنا في الواحدة والعشرين ولا يمكنني الذهاب لموعد الطبيب لوحدي، أخبرني مجددًا من سيتعلم المسؤولية؟"

في هذه الدقيقة دلف لوش للمكان وقال "لا بأس سنتعلمها مع الوقت –". وحشر فمه كما يفعل عادة لأنظر لامي كإثبات على حديثي.

صاح بتألم ممسكًا برأسه عندما ألقت أمي عبوة الملح الفارغة نحوه "ألا يمكنك فعل شيء سوى ملئ هذا الفم؟ أصبح يومًا بعد يوم أشد يقينًا أنني أذنبت في حياتي السابقة لذلك ابتلاني الإله بك". ابتسمت وقد شعرت بنوع من الراحة أن لوش يتم توبيخه أخيرًا.

عندما لاحظت أمي ابتسامتي كادت تشملني مع لوش في نوبة التوبيخ مما دفعني لأخذ حقيبتي والركض خارجًا للحاق بمواعيدي.

حاولت قدر الامكان المشي في الاماكن التي يُصعب على فريونكا رؤيتي فيها فهذا سيجعل اليوم أسهل وأكثر سرعة، كنت أملك محاضرة للبروفسور مارك، نعم ذات الشخص الذي ساعدني وخدعته ومازلت اشعر بالذنب.

في الغالب تكون قاعته ممتلئة فهو شخص ممتع بطبعه، ووسيم إن كنتم تفهمون مقصدي.

دائمًا ما تكون محاضرته ممتعة تحوز على انتباهي، ولكن هذا اليوم لم أكن أفكر في أي شيء آخر سوى الأحجية الجديدة، مرارًا وتكرارًا كنت أسأل نفسي ما الذي يجب عليّ فعله؟

لقد حاولت ليلة أمس البحث على الإنترنت عن أي طرف خيط، لكن لا يوجد شيء مفيد على الإطلاق، كلها عبارة عن عناوين فارغة لا يمكن الحصول على أي معلومة مفيدة منها.

عليّ البحث في المكان المناسب..

المكتبة!

عليّ الذهاب إلى المكتبة! إنها المكان الذي وجدت فيها الكتاب في الأصل، والأحجية الأولى أيضًا، ربما هناك دليل أو شيء قد يساعدني في البحث هناك.

حسنًا فكرة أن هناك شخص يتعقبني ويترك لي الأدلة مرعبة، هذه حقيقية لا مفر منها ولكن شغفي بحل هذه الألغاز أكثر رعبًا في الواقع.

"جلنار؟ يبدو أنكِ حلقتي لمكان آخر".

أجفلت للصوت الذي اقتحم أفكاري فجأة لالتفت نحوه، كان البروفسور مارك منحني نحوي بينما ينظر بابتسامة صغيرة، اقتحامه البسيط لمساحتي الشخصية دفعني لتصرف بحمق مبالغ فيه.

"أنـ.. أنا لم.. أعني نعم كنت –". اللعنة لا أستطيع قول شيء سوى التلعثم "واو أنا متفاجئ! ألهذه الدرجة كنتِ شاردة؟" سأل بابتسامة مرحة لأبعد أنظاري عنه نحو القاعة، كيف؟ الأغلبية قد ذهبوا بالفعل والقاعة شبه فارغة إلا من قلة تلملم حاجياتها وتنظر نحوي باستمتاع، متى انتهت المحاضرة؟ أتمزحون؟ لم أشعر حتى بالوقت!

"يبدو أنكِ فقدتِ تركيزك معنا منذ مدة طويلة" قال ببعض التأنيب ثم أردف مازحًا "هل كانت هناك لغة أخرى قديمة تشغل بالك؟" ابتلعت بتوتر، هل كشف الامر؟ هل تم كشف خدعتي؟ حركت رأسي بـ لا للجانبين ليومئ لضع يديه داخل جيبه ويقول "شيء آخر إذًا".

اومأت لينظر حوله للقاعة التي أصبحت فارغة وأردف

"حسنًا إذًا ذلك 'الشيء الآخر' من الأفضل أن تتركيه جانبًا أثناء الشرح". اومأت بسرعة قبل أن أجمع أغراضي داخل حقيبتي، أخذت خطواتي للخارج تحت أنظاره المستمتعة!

تبًا هذا كان مثيرًا للأعصاب، لا أملك الوقت لأضيعه الآن أشعر بالحماس للذهاب للمكتبة ربما شيء ما سيساعدني هناك.

وضعت حقيبتي واتجهت أبحث عن الكثير من الكتب التي قد تساعدني، جمعت جميع ما أراه مناسبًا وبدأت أبحث بجد، بدأت البحث عن الحضارات القديمة، بحثت حول كل دولة ومدينة ومملكة، كل لغة ممكنة أو حتى طريقة معينة للكتابة لكني لم أجد شيء على الإطلاق، كلما وجدت شيء ما ربما قد يساعد أكتشف أنه لا شيء على الإطلاق.

تنهدت وأنا أغلق الكتاب العشرون تقريبًا وألقيه مع أصحابه، لا شيء مثمر "دودة كتب". التفت أنظر لصاحب الجملة ولم تكن سوى فتاتان من السنة الثالثة، تجاهلتهما كما أفعل عادة ونظرت لكومة الكتب حولي أحدد أيها التالي.

صوت الكرسيين امامي يُسحبان دفعني لرفع رأسي حيث الفتاتان أخذتا الاذن بنفسهما للجلوس معي إحداهما تنظر نحوي باستمتاع من النوع السيء والأخرى بحقد لا أفهم سببه "إذًا أنت عاهرة ديفيد الجديدة!"

لحظة ماذا.

"اوه بالله عليك توقفي عن صنع هذا الوجه البريء، إلهي تبدين حمقاء وبلهاء من الخارج ولكن عندما يتطرق الأمر للرجال تعرفين كيف تتحولين إلى أفعى خبيثة". صاحبة النظرات الحاقدة بصقت بتقزز مما زاد عقدة حاجبيّ، ما خطبهما؟ عن ماذا تتحد.. اوه تبًا!

عندما لاحظت إحداهما اتساع عيناي رفعت شفتيها بتكلف وقالت "الآن تتذكرين من نحن".

إنهما الفتاتان اللتان كانتا مع ديفيد ذلك اليوم في المقهى، كان يجب أن أعلم أن ذلك المتملق سيضعني في مأزق "أنا لست كذلك". تمتمت نافية ولم أتمكن من إكمال الجملة، أنا لست عاهرة! لست مثلكن على الأقل.

 "لما لا تقولينها بصوت أعلى؟ ضعي بعض الثقة في جملتك حتى نتمكن من تصديقها". سخرت أحداهن لأتنهد وأقرر أن وقت الابتعاد حان ولكن لم أتمكن من ذلك بسبب أن أحداهن جذبت ملابسي بقوة لأرتطم بالطاولة وانظر نحوها بفزع "إن حاولتِ الاقتراب من ديفيد مجددًا أو حومتي حوله كالذبابة المزعجة، لن تكون فريونكا وحدها من تجعل حياتك جحيمًا".

أردت فعل الكثير حينها، أردت الصراخ عليها، صفعها، لكمها، إنكار ما تقول عني أنا والمتملق، إبعاد الأعين التي تحدق بنا، والأخرى التي تتجاهل الوضع كله، لكن تبًا ظلت يدي ترتعش بجوار جسدي دون أي رد، كأنني المخطئة، تركت الفتاة قميصي مع ابتسامة نصر سخيفة تزين ثغرها.

 الاثنتين شعرتا بالانتصار ما إن رأين نظرة الفزع في عيناي، نهضتا للذهاب ولكن تلك التي جذبت قميصي لم تتمكن من الابتعاد بسبب الذراع التي امتدت وجذبت قميصها بالطريقة ذاتها التي فعلتها معي.

التفت بتفاجؤ للشخص الواقف بجواري نظراتها باردة مع ملابس داكنة وخصلات شعر مختلفة الألوان، وشوم كثيرة وثقوب أنف وأذن وشفتين، الفتاة التي كانت بجواري منذ أيام والتي قابلتها في المرحاض إنها هي!

"ما اللعنة التي تظنين أنك تفعلينها؟" صرخت الفتاة بغضب "اوه ظننت أنه أمر طبيعي! ألم تقومي به منذ دقيقة؟" قالت ببساطة وابتسامة باردة ارتسمت على وجهها.

المتنمرة من السنة الثالثة حاولت إبعاد يد الفتاة بجواري ودفعها بعيدًا لكن الفتاة بجواري سحبتها بقوة ليندفع جسدها فوق الطاولة التي تفصل بيننا وترتطم بها، اقتربت منها لتقول وهي تضغط على كل حرف يخرج من فمها " حاولي مجددًا إزعاجي بينما أحاول قراءة كتابي وستكونين في عداد الموتى ... حمقاء بطيئة الفهم." دفعت جسدها بعيدًا، بينما الأخرى حمل وجهها ملامح التوتر والخوف لكنها حاولت إخفاء الأمر بسرعة قائلة "أتظنين أن هذا سيخيفني؟"

بالله عليك حتى نبرتك مرتجفة، رفعت الأخرى حاجبًا نحوها مع نظرة مستمتعة وهي مستعدة حقًا للشجار

"ما الذي تظنون أنكن تفعلنه بكل هذه الضوضاء؟" تدخلت أمينة المكتبة فجأة بغضب عارم "هل تظنون أنكن في أحد الحانات؟ آنسة ميليديا وآنسة جينفر لأنكن من السنة الثالثة لا يحق لكن الصراخ على الطلبة من السنة الأولى". قالت بصرامة للفتاتين من السنة الثالثة ثم التفت للفتاة بجواري "وأنت آنسة ألسكا  هل تظنين المكتبة حلبة مصارعة، وآنسة جلنار مــ... جلنار!" علا صوتها فجأة متفاجئة كون الطالبة المثالية ضمن هذه الدائرة.

تهربت بعيني بعيدًا عن نظرتها المصدومة "ما الذي جرى لكنَّ بحق الله؟" بدأت في التوبيخ الذي شملنا جميعًا مع عبارات تنم عن خيبة أملها بي، تنهدت ونظرت نحو كومة الكتب التي سببت كل هذه الضوضاء، أكان عليّ القدوم هنا في المقام الاول؟

نظري وقع على شيء جعلني أتصلب، عقدت حاجبيّ وقد نسيت المشكلة التي أنا فيها، وكل الضوضاء، كل ما فعلته هو سحب الكتاب النصف المفتوح فوق الطاولة، أنظر بتفاجؤ للصفحة التي كان عنوانها 'الأبجدية الرومانية' لا أصدق هذه هي "واللعنة وجدتها". صرخت بسعادة بينما ابتسامتي واصلت اتساعها.

"آنسة جلنار!" صوت أمينة المكتبة جعلني أستيقظ من بهجتي باكتشافي العظيم لأنظر نحوها "اوه.. سيدتي أعتذر عن هذا وأعدكِ إنه لن يتكرر ولكني في حاجة ماسة للذهاب الآن". قلت بسرعة بينما أسحب حقيبتي وأغراضي.

لم أكن مستعدة للوقوف وسماع أمينة المكتبة تصرخ باسمي مئة مرة، لذلك ركضت خارج المكتبة أشعر بسعادة إيجاد الكنز بعد سنوات من الفقر.

ما إن اختليت بنفسي على السطح التقط أنفاسي، أخرجت هاتفي ودفتر الملاحظات مع الحرف الخشبي، فتحت المتصفح بسرعة أبحث عما أريد، إنه هنا ها هي ذا حرف V الإنجليزي، لم يكن سوى الرقم خمسة بالرومانية، لم أكن لأتوقع هذا أبدا لم يكن حرفًا بل رقمًا.

هناك احتمالين، إما أنه حقًا حرف V أو إنه الرقم خمسة، بحثت كثيرًا حول علاقة حرف بالأمر لكن لم يجدي الأمر لذلك ربما بالفعل المقصد هو رقم خمسة..

لكن مازال السؤال ذاته، ما علاقة الرقم خمسة بالأمر؟ تنهدت بتعب وألقيت جسدي على الأرضية، ظننت أنني وجدت الحل أخيرًا، لكنني أصل لطريق مغلق.

لنفكر في الأمر لثواني، النص ليس سوى حروف تم تغيرها أو تبديلها ربما، حاولت أمس تغيير اماكنها وترتيبها لكني لم أحصل على شيء مفيد، الرقم خمسة إلى ماذا يشير بالضبط إذًا؟

إن كان الرقم خمسة هو المفتاح إذًا ما هو القفل؟ مفتاح! لحظة إن كان هذا نص وخمسة هو المفتاح، هل أنا أمام شيفرة من نوع ما؟ شيفرة تحتاج إلى رقم ليكون مفتاحها؟

أو ربما ليست إلا... خوارزمية!

اللعنة كيف لم أرى هذا؟ إنها خوارزمية.

خوارزمية القيصر. 

____________________________________________________________________________

* عصر الظلمات أو عصور الظلام مصطلح يشير للفترات التي أنتشر فيها الجهل في التاريخ الاوربي في هذه الفترة انحدر مستوى التفكير في أوروبا وأخد الإيمان بالغيبيات مكان التفكير العلمي والمنطقي السليم، خلال هذه الفترة في المقابل كان الشرق بالتحديد العرب والمسلمون في حالة من النهضة والعلم الذي قدم لنا يد العون حتى هذه الفترة.

**************************************************

الناس الي لسه مستمتعه بالفصول كانها اول مرة!

انتم اسطورة والله.

بتفكروني بولائي لمسلسل فريندز، بشوفه بنفس المتعه للمرة العشرين عادي.

والناس الجديده الي بتقرأ لاول مرة، احب اقلكم شرفتونا ونورتونا وانستونا.

المكان مكانكم واتمنى محدش يحرق عليكم حاجه في الكومنتات.

شكرا لقراءتكم الفصول.

الفصول تنزيلها بحاول ميقلش عن فصلين في الاسبوع " حاليااااااا" 

اول ما افضى تمامًا هيكون فصل يوميًا ان شاء الله لحد ما نوصل للفصول الجديدة

شكرااا ♥


Esraa A

احظ بوقت ممتع بعيدًا عن العالم.

40 تعليقات

  1. مش عارفة اقولهالك ازاي ولكن ...... في كل مرة كنتي بتحدثي فيها الرواية, انا كنت بعيد قرأتها من اولها لغاية اخر حاجة نزلت
    غير طبعا الاوقات اللي كنت ببقي يااما فاقدة الشغف او نفسيا مضايقة او مخنوقة شويا كدا يعني
    بأختصار انا قرأت الفصول كتير اوي , وغالبا المعظم قرأوها كذا مرة , يعني انا شاكرة جدا انك هتعيشيني الاجواء دي من تاني بقى
    واتمنى انك تكوني بنفس الاستمتاع بتاعنا ومش تحسي بأي عدم استقرار في نفسيتك وانك تكوني اتخطيتي كل اللي فات بجد

    ردحذف
  2. الحمدلله انك قولتي على موضوع الحرق لان في كتكوت كدا واحشني اوي وكنت هتكلم عنه ولكن عموما هو كدا كدا قرب يظهر وساعتها هصيح براحتي بقى

    ردحذف
    الردود
    1. كتكوت واحشنا كلنا بجدد

      حذف
    2. ودي افهم قصة الكتكوت بأسرع وقت

      حذف
  3. متشوقة اوي للي جاي اوي اوي اووووووووي
    يارب الصبر بس عقبال اما الاسبوع الجاي يجي

    ردحذف
  4. الانتظار صعب بس ليهك ابداع يستحق 😍♥💕

    ردحذف
  5. مهما عدت الروايه بعيش أحداثها كأنها اول مره اقراها متعه بلا حدود

    ردحذف
  6. حماس وكأني بقرأها للمرة الاولي

    ردحذف
  7. ااااااه يا قلبي الرواية نار كنت متأكدة اني مشتاقتلها بس لما فعلا عادت مشاعري انفجرت و خرجت عن السيطرة مثل الان رغم اني تقريبا حافظ يلي راح يحدث تاليا بس لاااااا لازم اقعد احلل و اتفكر و استمتع و انتظر الفصل الجاي بكل شوق❤️ عن جد شكرا اسراء لانك اعدتي نشر الرواية

    ردحذف
  8. و الحرق كان اجمل فقرة يعني ليش تمنعيني منو😭😂😂😂 بالطبع ليس حرف بحرف لكن حرق يخليك تتشوق للقادم و تموت بس تعرف مين الكتكوت المرح يلي مذكور في التعليقات فوق😂😂

    ردحذف
  9. مع اني قريتها سابقا لاكن نفس حماس اول مره 💕💕

    ردحذف
  10. مو قادره أصدق ان توبازيوس رجعه من جد 🥹🥹🥹

    ردحذف
  11. شـوووق كـبير لكـل الشخصيـات حتـى الي كـنت اكرههم صـرت مشتـاقـه لهـم 😂💔

    ردحذف
  12. فعلاً احنا بنقرأ الرواية بستمتاع كأنها اول مرة لأنها فعلا تستحق

    ردحذف
  13. اسراء متتصورين شكد فرحت من نزلتي الرواية من جديد ، حرفياً كتاباتج تدخلني بعالم ثااني وتخليني شغوفة ، الله يوفقج ويسعدج يارب وأن شاء الله تخلص الرواية على خير ♥️

    ردحذف
  14. وان شاء الله نشوفها بيوم من الأيام كتاب مطبوع حتى اشتريه واجومه 😂♥️

    ردحذف
  15. حاسة نفسي رجعت بالزمن لأول مرة قريتهاااا
    يعني كل الانتظار مراحش كذا
    اشتقت لجلنار والالغاز ورح أنتظر الفصول الجديدة بشوق

    ردحذف
  16. ياحبي لطريقة السرد حقيقي إشتقت ♥️♥️

    ردحذف
  17. اشتقت لحد رح يظهر قريبا وااععع كم احبه

    ردحذف
  18. هاذ العام عام تاع خير 🤣🤣

    ردحذف
  19. اتخيل بس يوم نوصل لفصل ٧٣
    او ٤٨ حاليا اخخ حمممماااس

    ردحذف
  20. اتخيل بس يوم نوصل لفصل ٧٣
    او ٤٨ حاليا اخخ حمممماااس

    ردحذف
  21. يلا انتظر الفصل الرابع بشوق

    ردحذف
  22. ما اقول ولا اكرر الكتكوت دا يبقى زوجي انا

    ردحذف
  23. والله مافى حاجه وحشانى قد الكتكوت ده

    ردحذف
  24. الا بقي الكتكوت الى بيطير

    ردحذف
  25. ذاكره السمكه مساعدتني اقرأ الروايه كاني اقراها للمره الاولى 🤡 مع العم اني عدتها فوق ال5 مرات

    ردحذف
  26. كان في حاجة ابغى اسأل عليها و فضولي ليها الف بس للاسف استوعبت ان فيها حرق 😭😭😭
    بجد بشكرك انك اديتي لكل قارئ متابعش الرواية من الاول لما نزلت اول مرة و كل القراء الجداد فرصة انهم يعيشوا شعور الرواية و هي بتنزل من البداية فصل بفصل مش قادرة اعد كام مرة عدت الرواية و كام مرة حاكيت عنها لصحابي لانها حقيقي تستاهل و حقيقي فرحانه اني بحضرها من الاول تاني ربنا يوفقك و تخلصيها على خير و يارب اشوفها كتاب 😭😭💕💕

    ردحذف
  27. تذكرت يوم قلت لاستاذي يعلمني الخوارزمية هيي😂😂❤

    ردحذف
  28. مهما عدي علي الروايه هفضل أعيدها بنفس الشغف والحماس اسراء انتي مبدعه وميتملش من روايتك ولا طريقه سردك والغازك وطبعا طبعا محدش يمل من توبازيس دي العشق حرفيا كفايه الفتره اللي فاتت وانا مستنياها بجد عشان اعرف النهايه العظيمه🤤😭❤️أنا حرفيا بعيد القرايه وانا يندمج ويحل الالغاز كأنها اول مره🤤❤️🫂

    ردحذف
  29. بجد اجمل روايه قرأتها بحياتي ومستحيل امل منها مهما قرأتها وعدتها من مرات

    ردحذف
  30. 🎉🎉🎉🎉🎉🎉🍂🎉❣️❣️❣️❣️

    ردحذف
  31. اول مرة اقرأها ملحقتهاش علي الواتباد للأسف بس هقرأها هنا وحرفيا متحمسة الاحداث تحفففه💖💖

    ردحذف
  32. قرأتها حوالي مليون مرة بس بحبها اوي 😂🤡♥️

    ردحذف
  33. المره ال 11 اللي اعيد فيها الروايه انا تالته ثانوي ومصدقت فاضل ماده ومش قادره اصبر علي الاجازه وبعيد توبازيوس +انا عندي الروايه تطبيق اول الفصول لحد نزال لأجل الصهباء

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال