الـــمقدمة

ممـلـــكةُ إلتَرانيُوس الْعُـــــــظـــــمى

على بعدِ آلاف السنين الضوئية..

 ما بين ستائِر الظُلمةِ لليلةٍ غاب عنها البدر، وقَطرَاتِ الأمطار أَضافت لمسةً حزينةً لأراضي المملكة، في حُلكةِ الظلام تتعالى صَيحات النساء، وبكاء الأطفال يكسرُ الصمت. كان الجميعُ كعاصفةٍ هوجاء يَلُوذون إلى مخارج المملكة، النساء، الأطفال والشيُوخ، جميعهم في صفوفٍ طويلة. تَنوحُ الزوجات على رجالهِن الذين قرَرُوا البقاءَ دِفاعًا عن أرضهم، يتبادل كل العُشاق قُبلةَ الوداع، فَلا أحد يعلم من قد ينجوا هذه المرة.

 .....

"سيدي نحن على وشَكِ الخسارة! لن تستطيع صفوف جنودِنا الصمودَ أكثر أمام قُوةِ العدو". نقلَ الجنديُ الأخبار إلى سيده الذي كان يعطي الأوامرَ لمجموعةٍ من الجنود، أمسك سيفه وامتطى حصانه متجهًا إلى أرض المعركة، فلن يقبل إلا بميتة محارب، كَلِماتُ الشيطان في أسطورة الّشر أصبحت ترنُ داخلِ آذانِ كل شخصٍ فيهم ' سَأَعُودُ كَمَا لَمْ أَكُنْ مِنْ قَبل'.

...

بعيدًا عن جميعِ تلك الأجواءِ التي حكمها الّتوتر، داخل فسحةٍ كبيرةٍ، يقف رجلٌ بدا عليه من الكِبَر ما بدا ، ممسكًا بمسحوقٍ بنفسجيِ اللون، لزهرةٍ سحريةٍ تم طَحنُها بعناية، التفَ حولَ المكانِ في حركةٍ مدرُوسةٍ يَنثر المسحوقَ الّناعمَ فوقَ الأرضية، لم يكنِ الأمر عشوائيًا، لأنَّ المسحوقَ شكَّلَ رَسمًا هندسيًا فوقَ الْبلاطِ البارد.

 تناول الرجلُ قطعةً من الْفحمِ الأسود، وانحنى لِيَخِطَ حروفًا حولَ الرسم، ما إن انتهى حتى اتجه إلى أحد رفوفِ الكُتبِ الموجودة في الزاوية، وتناول كتابًا اختلفَ عن أصحابِهِ على الّرفِ بِسمكِهِ وضخامَتِهِ ، فتحَ الرجلُ الْكتابَ على صفحةٍ معينة، صفحةٍ لا يوجدُ سوى نِصفها، فالنِصفُ الآخر تمَ تمزيقُه، أدخلَ يديه إلى جَيبِ عباءتِهِ لِيُخرِجَ ورقةً مهترئةً مطويةً بعنايةٍ على وشكِ أن تتدَمَر، فَتَحها ووضَعَها بِجانبِ صفحةِ الْكتابِ الْمنزوعُ نِصفُها، لِتصبِحَ صفحةً واحدة وتتّضح معاني الكلمات المكتوبة.

أخذ صوتُه الأجشّ يعلو شيئًا فشيًا مع كُلِ كَلِمةٍ تخرجُ من بينِ شَفتيه، بدأت الذراتُ المنثورةُ على الأرضِ بالاهتزاز، حتى ارتفَعَت بعيدًا عَنِ الأرض لِتطفَوا في الهواء، وعلى البلاطِ كانت الْكلماتُ المكتوبةَ بالفحمِ تتَحَركُ عَكسَ حَرَكَةِ الّرسومِ الّطافية، الْكلماتُ الّسحريةُ بدأتْ تُصدِرُ ضَوءً ذا لونٍ أزرقٍ قوي، وصوتُ الرجُلِ يَعلو حتى أصبحَ الّضوءُ يُعمي بصره. 

 بسرعةٍ أخرج الرجلُ قلادةً كانت حولَ عُنُقِهِ ، والتي بدَأت تَهتَزُ ليتركها الرجلُ من بين يديه لتَطفو نحَوَ الضوء، وخلال ثانيةٍ انفَجَرَت ذَرات الّنرجِس؛ مُنتشرةً في المكانِ واختفى الضوءُ أخذًا مَعَهُ القلادة، وعمَّ الصمتُ أرجاءَ المكان.

أخذَ الرجلُ نفسًا بينما يُصلي داخليًا بأن تَصِلَ لِلشخصِ الْمطلوب، مُستقبَلُ الْعوالمَ المتباعدة يعتمدُ على الّشخصِ الّصحيح.

قاطَعَ هدوءُ الْغرفةِ صوتُ ارتطام بابِ القبو بالحائطِ بقوة، التفت الرجلُ بهدوءٍ لِيلتقط بناظريه ثلاثةَ رجالٍ واقفين، هَيئَتُهُم أحاطَت بها هالةُ مِنَ الّسوادِ والظُلمة، يَتقدَمُهُم أسمرُ الْبشرةِ بينما ابتسامة الّشيطانِ تعلو وجوهَهُم "تحياتي، جلالةَ مَلِكِ الإلتُرانيُوس الْعظمى". قالَ أحد الاثنين في الخلف ساخرًا بينما ضَحِكَ صاحِبه.

ظَلَّ الشخصُ الذي يَتقدمُهُم صامتًا أمام نَظراتِ الملكِ الهادئة "أين؟". نطقَ بهدوء، لِيتبسمَ الملِكُ بِشيءٍ من الْلطف "آسف لإخباركُم بِهذا، لكن هو من يَختارُ صاحِبَه". اختفت ابتسامَةُ الاثنان في الخلفِ واشتعَلَت أعينَهُم غَضبًا "حافِظ على هذهِ الابتسامَة، فسيدي سَيُفضِلُ سماعَ هذا منك، هذا إن أبقى على رأسِكَ في مكانه الصحيح".

---